يعاني أطفال إضطراب فرط الحركة وتشتت الإنتباه -أفتا- من صعوبات في تكوين الصداقات والحفاظ عليها، وهو ما يصيب آباءهم بالحزن والقلق.
وفي هذا المقال بجزئيه نستعرض المشكلة للتعرف على أسبابها، ثم نعرج على الحلول والاستراتيجيات التي يقدمها الخبراء، وكيف يمكن للوالدين مساعدة الطفل..
[] تصور للمشكلة:
¤ صورة:
طفل في الثامنة من العمر يقف وحيدًا يرقب مجموعة من الأطفال يمرحون ويلعبون ويقومون بألعاب تمثيلية ورياضية، يرغب بشدة من داخله أن ينضم إليهم، ولكنه يجهل الطريقة.
¤ صورة أخرى:
طفلة في الحادية عشرة تقف في النافذة تستمتع إلى أصوات حفل لزميلتها في المدرسة وجارتها، والتي دُعي إليها زميلات الفصل والجارات ولكنها لم تُدع إليها رغم أنها كانت تظن صاحبة الحفل صديقة جيدة لها.
¤ صورة ثالثة:
فتى في الرابعة عشرة يقضي وقته كله وحيدًا أمام جهاز الكمبيوتر الخاص به، لا أحد يناديه ولا ينادي أو يتكلم مع أحد.
[] الصداقة ضرورة:
وتؤكد ماري فاولر الخبيرة النفسية من نيو جيرسي وأم لطفل يعاني من إضطراب فرط الحركة، أن وجود أصدقاء مقربين في الطفولة هو أمر في غاية الأهمية، وليس ترفًا، بل إنه يجعل فارقًا ضخمًا في أحداث حياة الطفل والمراهق، فوجود صديق جيد في حياة النشء قد يحميه من التسرب من الدراسة، ومن المشكلات الأخلاقية، والإنحراف.
[]أسباب الصعوبة:
ويقلق جميع الآباء والأمهات بشأن صداقات أبنائهم، ولكن آباء أطفال فرط الحركة وتشتت الإنتباه لديهم مخاوف خاصة ومحلة، فتكوين والحفاظ على الصداقات يتطلب العديد من المهارات المتشابكة مثل: التحدث والإستماع والمشاركة والتعاطف والتعاون وغيرها، وهذه المهارات لا تتوفر بالصورة العادية لدى أطفال إضطراب فرط الحركة وتشتت الإنتباه.
وتشرح الأستاذة كارول برادي -دكتوراه نفسية سريرية من هيوستن- صعوبة تكوين الصداقات لدى أطفال هذا الاضطراب بقولها: المهارات الإجتماعية يتعلمها الأطفال بالمحاكاة وبشكل تلقائي، أما أطفال فرط الحركة وتشتت الإنتباه فالأمر بالنسبة إليهم كمحاولة مشاهدة 6 أجهزة تلفاز في آن واحد، في الوقت الذي عليهم أن يختاروا أي جهاز يتابعون، لذا فالكثير من المعلومات والتفاصيل والمشاعر تسقط لديهم.
وتتعدد أسباب صعوبة تكوين الصداقات لدى أطفال هذا الإضطراب، ولعل أبرزها: أن بعضهم ببساطة ليس مستمعًا جيدًا، والبعض مندفع بشكل كبير، وكثيرًا ما تصدر عنهم كلمات قاسية، أو يتدخلون في حياة الأطفال الآخرين بشكل منفر.
ويوضح مدرب التعامل مع إضطراب أفتا -آفي لومبكين- من ولاية كاليفورنيا الأمريكية أن آباء هؤلاء الأطفال يبذلون جهودًا كبيرة، ولديهم حرص كبير على أولادهم، ولكنهم في أحيان كثيرة ما يسلكون الطرق التقليدية في التعامل والتوجيه، والتي لا تجدي كثيرًا مع هؤلاء الأطفال.
ويعلل ذلك بأن الأطفال الذي يعانون من هذا الإضطراب لا يكون لديهم إحساس كافي بنظرة الأطفال الآخرين إليهم، وغالبًا لا يشعرون بتأثير كلمة سب قالوها لطفل آخر، أو كيف أدى تجاهلهم لقواعد اللعبة لإفساد وقت اللعب.. إن لديهم ميلا إجتماعيًا كبيرًا، ولكن إندفاعهم يحرمهم من التكيف بسهولة.
[] الأطفال الكبار يعانون أكثر:
بالنسبة للأطفال الصغار فإن نقص المهارات الإجتماعية لا يمثل مشكلة خطيرة، فإذا كان الطفل في السادسة من عمره وقال أو فعل أشياء غير مرغوب فيها، فقد يثير التساؤلات، ولكن الأمر لن يكون ملحوظًا بشكل كبير.. فالأطفال عادة في هذه السن الصغيرة قد يكررون بعض العبارات والكلمات، ويندفعون في التصرفات، كما أنه في الطفولة المبكرة يكون للوالدين تدخلًا كبيرًا في حياة الصغار، وتوجيهًا مستمرًا.. أما الطفولة المتأخرة وبدايات المراهقة فتبرز فيها المعاناة الإجتماعية لأطفال إضطراب أفتا حيث يتطلب تكوين الصداقات مهارات أكثر تعقيدًا، ويتضاءل التوجيه التربوي للوالدين، مما يجعل إختلاف الطفل أكثر ظهورًا وأشد تنفيرًا وربما إخافة لزملائه والمحيطين به.
[] لا داعي للقلق:
ويدعو الخبراء الأهالي لعدم القلق على أطفالهم من العزلة الإجتماعية، ففي النهاية يجد الإنسان طريقه وشكل حياته الإجتماعي الذي يلائمه، بل إن الدراسات في هذا الصدد تؤكد على أن الحياة الإجتماعية الضرورية لا تستلزم أبدًا كثرة الأصدقاء، وكثرة الإجتماعات، بل إن وجود صديق واحد مقرب كافي لبناء الثقة بالنفس، ولا يستلزم أن يكون هذا الصديق زميلاً أو من نفس السن، بل قد يكون: جارًا أو معلمًا أو جدًا، فإقامة علاقة صداقة وتقارب واحدة جيدة تكون البداية لتدريب الطفل على الإستماع والقيام بتغييرات إيجابية كثيرة.
وفي الجزء التالي نركز على إستراتيجيات تعليم أطفال فرط الحركة وتشتت الإنتباه المهارات الإجتماعية اللازمة، وكيفية تكوين الصداقات والحفاظ عليها.
الكاتب: مي عباس.
المصدر: موقع رسالة المرأة.